بعد المنع .. د. نصر حامد أبو زيد يحضر بعبقرية التكنولوجيا
منى كريم
لم تكتمل فرحة الثقافة الكويتية بعدما علمت باستضافة مركز حوار «تنوير» د.نصر حامد أبو زيد لإقامة محاضرتين في الجمعية الثقافية النسائية، حتى أجهضت الفرحة بقرار منع دخوله مساء الثلاثاء الماضي، ما أثار استياء كثيرين من المثقفين والفنانين والأكاديميين ممن كانوا يترقبون حضور هذه الشخصية الثقافية المهمة في العالم العربي. لذا استغل المنظمون الوقت المفترض للمحاضرة الملغاة ليعبّروا عن رفضهم لما حدث مساء أول من أمس.
وفي هذا الصدد تناول طالب المولي، من مركز تنوير، بأهمية التنوير في المجتمعات، مبينا أن التطور يجيء من تحرير العقل ليحتل مكان «نجومية الدين والتدين» التي تؤثر سلباً على مخرجات الشعوب وتسيطر عليهم من خلال الفهم الديني التقليدي الذي يجب أن يتغير مع معطيات الزمن. ودعا المولي إلى تطوير قراءة الدين وتجديدها من أجل حداثة المجتمع واحترام الفرد الذي لن يجيء إلا من خلال الإصلاح والفكر.
وأشار المولي إلى أن الحياة العربية والإسلامية تعيش بين القديم والحداثة في حالة نزاع لأنها تأخذ مخرجات الحداثة وتتمتع
بها من دون استيعاب جوهرها ومعناها الحقيقي، ضاربا المثل بالتجربة العربية
التي قامت بثورة ضد الفهم الديني التقليدي وخلقت مفهوماً جديداً لحقوق الإنسان.
وتساءل: «كيف يدافع المتأسلمون عن حقوق الإنسان وهم يمارسون الرفض وانتهاك الآخر بشتى هوياته وأشكاله سواء كان امرأة أو شخصا يختلف معك في الرأي أو الدين أو الملة؟»، مبينا أن رفض دخول أبو زيد جاء بسبب الفهم الخاطئ لرجال الدين، وبأنهم يعتقدون أن كل ما هو علماني تجب محاربته على الرغم من أن هدف د.أبو زيد تنوير المجتمع.
قرار عبثي
واستضاف الاعتصام حديثاً هاتفياً مع د.أبو زيد من القاهرة لينطلق في حديثٍ مطول استعرض في البداية تداعيات الرفض الذي واجهه في الكويت، ومن ثم محتوى المحاضرات التي أراد أن يقدمها.
وتمنى أبو زيد لو كان في الكويت وسط الدفء الذي تلمسه من حضور الاعتصام، بيد أن ما أسماه بـ «القرار العبثي غير المسؤول» قام بمصادرة قرار سبق وأصدره.
وأكد أبو زيد أن خصومته تكمن مع من منحه التأشيرة ومن ثم تراجع فيها دون أن يعطي أسباباً لذلك، مستشهداً بقصة حدثت لزميله الباحث طارق رمضان الذي حصل معه الموقف ذاته في الولايات المتحدة، إلا أن الفرق يجيء من خلال شرحهم للأسباب التي دعتهم إلى ذلك.
التضحية بالمثقف
ورأى أبو زيد في قرار منعه عدم احترام للفرد وقراراته ورغباته لتذهب الأمور سجالاً ليُحرم مواطن عربي من أن يزور بلده الثاني الكويت، مشيرا إلى أنه يلتقى بالحضور بقلبه لأن التواصل لم يعد محدوداً بشروط مع عبقرية التكنولوجيا التي قدمتها الحداثة وحاربها المتشددون.
واستغرب التضحية بالمثقف في المجتمعات العربية وكأنه النقطة الضعيفة في حلقة الحياة، لأن المتشددين يرون التفكير «تكفيراً» من دون استيعاب ماهيته.
ودلل أبو زيد على تناقض المتشددين الذين ينسبون أنفسهم للفكر الفقهي رغم أنهم لا يلتزمون بقواعده، لأنه يقوم على احترام مساحة لتأمل الآخر ليضعوا أنفسهم في صندوق مغلق، بينما لا يؤمن التنوير بالصناديق أو الخطوط الحمراء. وضرب أبو زيد مثالاً على ذلك من خلال الأدلة التاريخية التي تجمع مواقف حرب اللغويين على الشعراء فهم يفكرون داخل إطار اللغة بينما الشاعر يمتلك اللغة ويخلق الشعر منها بكل حرية.
الدين للمجتمع
وأوضح أبو زيد أن مهمة المثقف تجيء من خلال حفاظه على استقلاله فالسلطة والدين كلاهما يحاولان استمالته لأن هدف المثقف الحقيقي كشف الحقيقة وحراسة القيم، داعيا المثقف إلى الخروج من عزلته والدفاع عن حقوق الإنسان سواء كان أكاديمياً أم عاملاً بسيطاً.
ومن ملخص محاضرته «الإصلاح الديني في الدولة الدستورية» قال أبو زيد إن الدولة للمواطنين وبالتالي لا يمكن أن تميز بين المواطنين على أساس الدين من خلال اختيار أحد الأديان أو الملل رسمياً لها عن الأخرى، متطرقاً لتناقضات الدستور المصري في هذا الموضوع وحاجة نضال المثقف المستقل ليكون حارساً للقيم. وأشار إلى الفرق الكبير بين الدين والخطاب الديني الذي يحتاج إلى التغيير لأنه حالياً يقوم برفض الآخر بمختلف هوياته بأشكال عدة منها القتل.
أزمة الحداثة
ووجد أبو زيد أن أزمة الحداثة أكثر إشكالية من أزمة الأمية، فالمقدس الذي يجب أن نؤمن به في مجتمعاتنا هو الإنسان وهو اعتقاد ما كان ليحصل لولا الثورة التي حصلت في القرن السادس عشر لتدعيم النزعة الفردية والاستقلال عن الخطاب الديني، وبالتالي فإن الحداثة جاءت من الغرب وتسببت بأزمة هوية «لأننا لم نعرف كيفية استيعابها والتعامل معها بشكل جيد وعميق، فقبلنا بثمار الحداثة دون فكرها على أساس حفظ التراث».
واعتبر مفهوم القداسة نسبياً لوجوب احترام الآخر، فالعرب يعيشون أزمة تاريخ لأنهم لا يناقشون القضايا على أسس علمية ومن بينها قضايا الدين التي تقوم بتجزيء القرآن، رغم ضرورة وجود وحدة في فهم القرآن.
الثلاثاء أبريل 06, 2010 5:56 am