ومما اخترته لكم من رسائل الرافعي الأدبية المتوهجة بروح المنى الحالمة التي تأبى إلا أن تحضن أوراق الورد لتنثر لنا عبق أنسامها , ونبض معانيها فيعانقها بلهفة وشغف كل من دخل صفحتها , ويعجب من هذا الشاعر المحبّ الذي استخلص لنفسه هذا الهوى , وبات جزءا لا يتجزأ منه .
قالت وقلت
( هذه رسالة تجمع من كلامها وكلامه مما كان يتساقط به الحديث بينهما , وقد دوّنها في مجالس شتى , وكل فصل من هذه الفصول كان يصلح أن تبنى عليه رسالة طالت أو قصرت )
*****
في بعض القصص أن لإحدى الغابات ملكا يحكمها , وكان من شريعتها أن لا يتبوأ عرشها إلا من يذبح الجالس عليه .فالملك فيها أبدًا يقظان منتبه عيناه من سلاحه , ولا يزال السيف في يده مصلتًا ولو أن في كل إصبع من أصابعه سيفًا قاطعًا ثم غفلت عيناه غفلة لما نفعته عشرة أسياف , ولكانت إغماضته الموت لامحالة , ومع هذا الشقاء الحيّ فإنه يأتي إليه من يذبحه ليجلس في موضعه , أي ليتهيأ للذبح !
أما والله إن عاشق بعض النساء ..لكالجالس على هذا العرش كل لذته من بلائه أنه لم يذبح بعد ..!
*****
قالت له : لم أعدك شيئا !
قال : نعم لم تعديني بلسانك , ولكن وعدت بما فيك من الشفقة ما ترين فيّ من الاضطرار!
*****
عندما أراك لا أتمالك أن أطرب وأهتز , أفهناك ألحان من جمالك تنطلق فيّ.
*****
قالت له : كلماتي لا تتم بمعانيها ولكن بفهمك أنت لمعانيها!
*****
إنك تتكلمين ولا تعرفين أنّ وجهك ينقح فيّ معاني كلامك.
*****
العقل يدلّ على نفسه بالنظر في الكون ويعبر عن ذلك بأفكاره .
والقلب يدلّ على نفسه بالنظر في الحبيب ويعبر عن ذلك بأشواقه.
*****
كل كلمة فيها معناها , وحين تكون الكلمة منك يكون فيها من معناها ومنك ..!
**********
قالت : أنا في نفسي كما أنا , ولكني في حبك كما أرى , فأنا أكتشف نفسي الجميلة فيك , وبهذا أجد حبك من عظمتي وسروري َ.
*****
قالت : ينصح علماء القوة والرياضة للرجل القويّ ألا يغضب فيذهب على الأقل نصف قوته , وأنا أنصح لك أن تغضب فتزيد قوتك على الأقل بقدر نصفها ..َ*****
ليس في الحب مسافات , فالمتحابان مجتمعان دائما في فكرة وإن كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب .
*****
قالت له : إذا كنت تريدني سماء تستوحيها وتستنزل منها ملائكة معانيك فلماذا تنكر عليّ أن يكون لي مع أنواري سحاب وظلمة ورعد وبرق !
*****
من تأله الجمال أن الحبيبة لا تريد الحقائق من الطبيعة إليها بل من الطبيعة إلى محبها أول , ثم من المحب إليها بعد .., تريد في حقائق الكون شعور تقديس الله وشعورا آخر بتقديسها هي أيضًا ..! دولة ضعيفة : ولهذا لا يكون معه أبدًا إلا كالمستعمرة ...